الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ***
قال إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: من قال القرآن مخلوق، فهو عندنا كافر؛ لأن القرآن من علم الله، وفيه أسماء الله، وقال: إذا قال الرجل العلم مخلوق، فهو كافر؛ لأنه يزعم أنه لم يكن لله علم حتى خلقه. وقال- رحمه الله تعالى: من قال أن القرآن مخلوق، فهو عندنا كافر؛ لأن القرآن من علم الله، قال الله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)، (آل عمران 61)، وقال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)، (البقرة 120)، وقال تعالى: (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين)، (البقرة 145)، وقال تعالى: (ألا له الخلق والأمر)، وقال تعالى: (ومن يكفر به من الأحزاب)، (هود 17)، قال أحمد: قال سعيد بن جبير: والأحزاب الملل كلها، (فالنار موعده)، وقال تعالى: (ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب)، (الرعد 36)، وقال تعالى: (وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق)، (الرعد 37)، وقال- رحمه الله تعالى: من قال ذاك القول، لا يصلى خلفه الجمعة ولا غيرها، فإن صلى خلفه، أعاد الصلاة. يعني: من قال القرآن مخلوق. وقال رحمه الله تعالى: إذا كان القاضي جهميا، فلا تشهد عنده. وقال إبراهيم بن طهمان: الجهمية كفار، والقدرية كفار. وقال سلمان التيمي- رحمه الله تعالى: ليس قوما أشد بغضا للإسلام من الجهمية والقدرية، فأما الجهمية فقد بارزوا الله، وأما القدرية فإنهم قالوا في الله. وقال سلام بن أبي مطيع: الجهمية كفار لا يصلى خلفهم. وقال خارجة: الجهمية كفار، بلغوا نساءهم أنهن طوالق، وأنهن لا يحللن لأزواجهن، لا تعودوا مرضاهم، ولا تشهدوا جنائزهم، ثم تلا: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى)... إلى قوله: (الرحمن على العرش استوى). وقال مالك رحمه الله: من قال القرآن مخلوق، يوجع ضربا ويحبس حتى يتوب، وقال سفيان الثوري- رحمه الله: من زعم أن قول الله (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) مخلوق، فهو كافر زنديق حلال الدم. وقال أيضا: من قال إن (قل هو الله أحد الله الصمد) مخلوق، فهو كافر. وقال أبو يوسف القاضي: صنفان ما على وجه الأرض شر منهما: الجهمية، والمقاتلية. قلت: وأظنه يعني بالمقاتلية أتباع مقاتل بن سليمان البلخي، فإنه رماه الإمام أبو حنيفة بالتشبيه، فإنه قال: أفرط جهم في نفي التشبيه، حتى قال: إنه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في معنى الإثبات، حتى جعله مثل خلقه، وتابع أبا حنيفة على ذلك جماعة من أئمة الجرح والتعديل من أقرانه، كأبي يوسف وغيره، فمن بعدهم، حتى قال ابن حبان: كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان يشبه الرب بالمخلوق، وكذبه وكيع وغيره، والله أعلم بحاله. قال وكيع: مات مقاتل بن سليمان سنة خمسين ومائة ا هـ. وقال عبد الله بن المبارك: الجهمية كفار، وقال: ليس تعبد الجهمية شيئا. وقال: من قال القرآن مخلوق، فهو زنديق، وقال: إنا نستجيز أن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستجيز أن نحكي كلام الجهمية. وقال سفيان بن عيينة: القرآن كلام الله، من قال مخلوق فهو كافر، ومن شك في كفره فهو كافر، وقال: من قال القرآن مخلوق، يحتاج أن يصلب على ذياب، يعني: جبل. وقال عبد الله بن إدريس رحمه الله وقد سئل: ما تقول في الجهمية، يصلى خلفهم؟ فقال: أمسلمون هؤلاء، أمسلمون هؤلاء؟ لا ولا كرامة، لا يصلى خلفهم. وقال له رجل: يا أبا محمد، إن قبلنا ناسا يقولون القرآن مخلوق. فقال: من اليهود؟ قال: لا. قال: فمن النصارى؟ قال: لا. قال فمن المجوس؟ قال: لا. قال فمن؟ قال: من الموحدين. قال: كذبوا، ليس هؤلاء بموحدين، هؤلاء زنادقة، هؤلاء زنادقة. وقرأ ابن إدريس (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال: الله مخلوق؟ والرحمن مخلوق؟ والرحيم مخلوق؟ هؤلاء زنادقة. وسئل عن قوم يقولون القرآن مخلوق، فاستشنع ذلك، وقال: سبحان الله، شيء منه مخلوق؟ وقال وكيع: فإني أستتيبه، فإن تاب، وإلا قتلته. وقال: من زعم أن القرآن مخلوق، فقد زعم أنه محدث، ومن زعم أنه محدث، فقد كفر. وقيل له: إن فلانا يقول إن القرآن محدث، فقال: سبحان الله، هذا الكفر. قال السويدي: وسألت وكيعا عن الصلاة خلف الجهمية، فقال: لا تصل خلفهم. وقال: من زعم أن القرآن مخلوق، فقد زعم أنه محدث، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وقال زهير بن حرب: اختصمت أنا ومثنى، فقال مثنى: القرآن مخلوق، وقلت أنا: كلام الله. فقال وكيع وأنا أسمع: هذا كفر، وقال: من قال القرآن مخلوق، هذا كفر، فقال مثنى: يا أبا سفيان، قال الله: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث)، (الشعراء 5)، فأيش هذا؟ فقال وكيع: من قال القرآن مخلوق هذا كفر، وقال: من قال القرآن مخلوق، فهو كافر. وقال- رحمه الله: القرآن كلام الله، أنزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم ، كل صاحب هوى يعرف الله، ويعرف من يعبد، إلا الجهمية لا يدرون من يعبدون، بشر المريسي وأصحابه. وقيل لوكيع في ذبائح الجهمية، قال: لا توكل، هم مرتدون، وقال: من قال إن كلامه ليس منه، فقد كفر، وقال: من قال إن منه شيئا مخلوقا، فقد كفر. وقال فطر بن حماد: سألت معتمر بن سليمان، فقلت: يا أبا محمد، إمام لقوم يقول القرآن مخلوق، أصلي خلفه؟ فقال: ينبغي أن تضرب عنقه. قال فطر: وسألت حماد بن زيد، فقلت: يا أبا إسماعيل، إمام لنا يقول القرآن مخلوق، أصلي خلفه؟ فقال: صل خلف مسلم أحب إلي. وسألت يزيد بن زريع، فقلت: يا أبا معاوية، إمام لقوم يقول القرآن مخلوق، أصلي خلفه؟ قال: لا ولا كرامة. وقال عبد الرحمن بن مهدي: من زعم أن الله لم يكلم موسى، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وقال مرة: لا أرى أن أستتيب الجهمية. وقال- رحمه الله: لو كان لي من الأمر شيء، لقمت على الجسر، فلا يمر بي أحد من الجهمية إلا سألته عن القرآن، فإن قال مخلوق، ضربت رأسه ورميت به في الماء. وقال أبو بكر بن الأسود: لو أن رجلا جهميا مات وأنا وارثه، ما استحللت أن آخذ من ميراثه. وقال أبو يوسف القاضي: جيئوني بشاهدين يشهدان على المريسي، والله لأملأن ظهره وبطنه بالسياط، يقول في القرآن، يعني مخلوق. وقال يزيد بن هارون، وذكر الجهمية، فقال: هم والله زنادقة، عليهم لعنة الله. وقال- رحمه الله: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، من قال القرآن مخلوق، فهو زنديق، وسئل عن الصلاة خلفهم، قال: لا. وقال معاذ بن معاذ: من قال القرآن مخلوق، فهو كافر. وقال شبابة بن سوار: اجتمع رأيي ورأي أبي النضر هاشم بن القاسم، وجماعة من الفقهاء على أن المريسي كافر جاحد، نرى أن يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه. وكان أبو توبة الحلبي، ونعيم بن حماد، وإبراهيم بن مهدي يكفرون الجهمية، وقال بشر بن الحارث: لا تجالسوهم ولا تكلموهم، وإن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، كيف يرجعون وأنتم تفعلون بهم هذا؟ قال: يعني الجهمية. وقال ابن أبي مريم: من زعم أن القرآن مخلوق، فهو كافر. وقال أبو الأسود النضر بن عبد الجبار: القرآن كلام الله، من زعم أنه مخلوق، فهو كافر، هذا كلام الزنادقة. وقال عباد بن العوام: كلمت بشر المريسي وأصحابه، فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا: ليس في السماء شيء. وقال عمرو بن الربيع بن طارق: القرآن كلام الله، من زعم أنه مخلوق، فهو كافر. وقال هارون أمير المؤمنين: بلغني أن بشرا المريسي يزعم أن القرآن مخلوق، لله علي إن أظفرني الله به إلا قتلته قتلة ما قتلتها أحدا قط. وقال هارون بن معروف: من قال القرآن مخلوق، فهو يعبد صنما. وقال يحيى بن معين- رحمه الله: من قال القرآن مخلوق، فهو كافر. وقال رجل لهشيم: إن فلانا يقول القرآن مخلوق، فقال: اذهب إليه، فاقرأ عليه أول الحديد وآخر الحشر، فإن زعم أنهما مخلوقان، فاضرب عنقه. وقال أبو هاشم الغساني مثله، وقال أبو عبيد: من قال القرآن مخلوق، فقد افترى على الله، وقال عليه ما لم تقله اليهود والنصارى. وقال إسحاق بن البهلول لأنس بن عياض أبي ضمرة: أصلي خلف الجهمية؟ قال: لا، (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، (آل عمران 85). وسئل عيسى بن يونس رحمه الله عمن يقول القرآن مخلوق، فقال: كافر أو كفر. فقيل له: تكفرهم بهذه الكلمة؟ قال: إن هذا من أيسر، أو أحسن ما يظهرون. وكان يحيى بن معين رحمه الله يعيد صلاة الجمعة مذ أظهر عبد الله بن هارون المأمون ما أظهر، يعني القول بخلق القرآن. وقال الحسين بن إبراهيم بن أشكاب، وعاصم بن علي بن عاصم، وهارون الفروي، وعبد الوهاب الوراق، وسفيان بن وكيع: القرآن كلام الله، وليس بمخلوق. وسئل جعفر بن محمد رحمه الله عن القرآن، فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله. وروي عن أبيه علي بن الحسين أنه قال في القرآن: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله. وقال الزهري: سألت علي بن الحسين عن القرآن، فقال: كتاب الله وكلامه. وعن إبراهيم بن سعد، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، ووهب بن جرير، وأبي النضر هاشم بن القاسم، وسليمان بن حرب قالوا: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وقال سفيان بن عيينة: لا نحسن غير هذا، القرآن كلام الله (فأجره حتى يسمع كلام الله)، (يريدون أن يبدلوا كلام الله)، وقال الإمام مالك بن أنس، وجماعة من العلماء بالمدينة، وذكروا القرآن فقالوا: كلام الله، وهو منه، وليس من الله شيء مخلوق. وقال حماد بن زيد- رحمه الله: القرآن كلام الله، أنزله جبريل من عند رب العالمين. وقال أبو بكر بن عياش: من زعم أن القرآن مخلوق، فقد افترى على الله. وقال وكيع: القرآن من الله، منه خرج وإليه يعود. وقال يحيى بن سعيد: كيف يصنعون بقل هو الله أحد، كيف يصنعون بهذه الآية (إني أنا الله) يكون مخلوقا؟ وقال وهب بن جرير، ومحمد بن يزيد الواسطي، وابن أبي إدريس، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان بن أبي شيبة، وأبو عمر الشيباني، ويحيى بن أيوب، وأبو الوليد، وحجاج الأنماطي، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأبو معمر: القرآن كلام الله، ليس بمخلوق. وقال أبو عمرو الشيباني لإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة- وقال القرآن مخلوق- فقال الشيباني: خلقه قبل أن يتكلم به أو بعد ما تكلم به؟ قال: فسكت. وقال حسن بن موسى الأشيب: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (إياك نعبد وإياك نستعين)، فقال حسن: مخلوق هذا؟ وقال محمد بن سليمان لوين: القرآن كلام الله غير مخلوق، ما رأيت أحدا يقول القرآن مخلوق، أعوذ بالله. ا هـ من كتاب السنة. وقال الشافعي رحمه الله تعالى في وصيته: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقال عفان بن مسلم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يريدون أن يبدلوا كلام الله)، (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، (قل هو الله أحد) أمخلوق هذا؟ أدركت شعبة، وحماد بن سلمة، وأصحاب الحسن يقولون: القرآن كلام الله ليس مخلوقا. وقال يحيى بن يحيى: من زعم أن من القرآن من أوله إلى آخره آية مخلوقة، فهو كافر. وقال هشام بن عبيد الله: القرآن كلام الله غير مخلوق. فقال له رجل: أليس الله تعالى يقول: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث)؟ فقال: محدث إلينا، وليس عند الله بمحدث. وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي- رحمه الله: ليس بين أهل العلم اختلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، فكيف يكون شيء خرج من الرب عز وجل مخلوقا. وقال أبو جعفر النفيلي: من قال إن القرآن مخلوق، فهو كافر. فقيل له: يا أبا جعفر، الكفر كفران: كفر نعمة، وكفر بالرب، عز وجل؟ قال: لا، بل كفر بالرب عز وجل، ما تقول فيمن يقول: (الله أحد الله الصمد) مخلوق، أليس كافرا هو؟ وقال عبد الله بن محمد العيشي: يستحيل في صفة الحكيم أن يخلق كلاما يدعي الربوبية، يعني قوله تعالى: (إنني أنا الله)، وقوله: (أنا ربك). قلت: والمعتزلة يقولون إن كلام الله لموسى خلقه في الشجرة، فعلى هذا تكون الشجرة هي القائلة: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني)، قبحهم الله في الدنيا والآخرة. وقال محمد بن يحيى الذهلي: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع صفاته، وحيث تصرف. وأما كلام البخاري رحمه الله تعالى ومتانته في هذه المسألة، فأشهر من أن يحتاج إلى تعريف، وله في ذلك (كتاب خلق أفعال العباد)، وقد بوب في صحيحه على جملة وافية، تدل على غزارة علمه، وجلالة شأنه. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة: أدركنا العلماء في جميع الأمصار، فكان من مذاهبهم أن الايمان قول وعمل، يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته، والقدر خيره، وشره من الله تعالى، وأن الله تعالى على عرشه، بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بلا كيف، أحاط بكل شيء علما، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وقال محمد بن أسلم الطوسي: القرآن كلام الله غير مخلوق، أينما تلي وحيثما كتب، لا يتغير ولا يتحول ولا يتبدل. ا هـ من العلو للذهبي. وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد بعد تبويبه على تكليم الله موسى عليه السلام: وتكلم الله بالوحي، وصفة نزول الوحي، وتكليم الله عباده يوم القيامة، وتقرير البحث في ذلك، ثم قال: باب ذكر البيان في كتاب ربنا المنزل على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الفرق بين كلام الله عز وجل الذي به يكون خلقه، وبين خلقه الذي يكون بكلامه وقوله، والدليل على نبذ قوله الجهمية الذين يزعمون أن كلام الله تعالى مخلوق، جل ربنا وعز عن ذلك، قال الله- سبحانه وتعالى: (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)، (الأعراف: 54)، ففرق الله تعالى بين الخلق والأمر الذي به يخلق الخلق بواو الاستئناف، وأعلمنا الله- جل وعلا- في محكم تنزيله أنه يخلق الخلق بكلامه، وقوله: (إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)، (النحل: 40) فأعلمنا- جل وعلا- أنه يكون كل مكون من خلقه بقوله كن فيكون، وقوله: كن هو كلامه الذي به يكون الخلق، وكلامه عز وجل الذي به يكون الخلق غير الخلق الذي يكون مكونا بكلامه، فافهم ولا تغلط ولا تغالط، ومن عقل عن الله خطابه، علم أن الله- سبحانه- لما أعلم عباده المؤمنين أن يكون الشيء بقوله كن، أن القول الذي هو كن غير المكون بكن المقول له كن، وعقل عن الله أن قوله كن لو كان خلقا، ما زعمت الجهمية المفترية على الله أنه إنما يخلق الخلق، ويكونه بخلق لو كان قوله كن خلقا، فيقال لهم: يا جهلة، فالقول الذي يكون به الخلق على زعمكم لو كان خلقا، بم يكونه؟ أليس قود مقالتكم التي تزعمون أن قوله كن، إنما يخلقه بقول قبله وهو عندكم خلقه، وذلك القول يخلقه بقول قبله، وهو خلق حتى يصير إلى ما لا غاية له، ولا عدد ولا أول، وفي هذا إبطال تكوين الخلق، وإنشاء البرية، وإحداث ما لم يكن قبل، بحدث الله الشيء ونشئه، وهذا قول لا يتوهمه ذو لب لو تفكر فيه، ووفق لإدراك الصواب والرشاد، قال الله- سبحانه وتعالى: (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره)، (الأعراف: 54)، فهل يتوهم مسلم أن الله تعالى سخر الشمس والقمر والنجوم مسخرات بخلقه، أليس مفهوما عند من يعقل عن الله خطابه أن الأمر الذي سخر به غير المسخر بالأمر، وأن القول غير المقول له؟ فتفهموا يا ذوي الحجا عن الله خطابه، وعن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بيانه، لا تصدوا عن سواء السبيل فتضلوا كما ضلت الجهمية، عليهم لعائن الله، فاسمعوا الآن الدليل الواضح البين غير المشكل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل موصولا إليه، على الفرق بين خلق الله وبين كلام الله تعالى، ثم ساق الأحاديث في ذكر كلمات الله تعالى إلى حديث: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثم قال: أفليس العلم محيطا يا ذوي الحجا أنه غير جائز أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه، هل سمعت عالما يجيز أن يقول أعوذ بالكعبة من شر خلق الله، أو يجيز أن يقول أعوذ بالصفا والمروة، أو أعوذ بعرفات و منى من شر ما خلق الله، هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله، محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه، ثم ساق بحثا طويلا فليراجع منه. وقال أبو معاوية بن خازم الضرير رحمه الله: الكلام فيه بدعة وضلالة، ما تكلم فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعون، ولا الصالحون رحمهم الله تعالى، يعني قول القرآن مخلوق. وذكر عند أبي نعيم هو الفضل بن دكين من يقول القرآن مخلوق، فقال، والله والله، ما سمعت بشيء من هذا حتى خرج ذاك الخبيث جهم. وكلام أئمة السنة في هذا الباب يطول ذكره، ولو أردنا استيعابه لطال الفصل. وقد تكرر نقل الإجماع منهم على إثبات ما أثبت الله عز وجل لنفسه، وأثبته رسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة فمن بعدهم، ونفى التكييف عنها لا سيما في مسألة العلو، وفي هذه المسألة مسألة القرآن، وتكليم الله تعالى موسى؛ لأنها أول ما جحده الزنادقة، قبحهم الله تعالى. وفي ذكر من سمينا كفاية، ومن لم نسم منهم أضعاف ذلك، ولم يختلف منهم اثنان في أن القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق، من الله بدأ وإليه يعود، وتقلدوا كفر من قال بخلق القرآن، ومنعوا الصلاة خلفه، وأفتوا بضرب عنقه، وبتحريم ميراثه على المسلمين، وحرموا ذبيحته، وجزموا بأنها ذبيحة مرتد لا تحل للمسلمين، فانظر أيها المنصف أقوالهم، ثم اعرضها على نصوص الكتاب والسنة، هل تجدهم حادوا عنها قيد شبر، أو قدموا عليها قول أحد من الناس كائنا من كان؟ حاشا وكلا ومعاذ الله، بل بها اقتدوا، ومنها تضلعوا، وبنورها استضاءوا، وإياها اتبعوا، فهداهم الله بذلك لما اختلفت فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. هذا مقال المؤمنين جميعهم *** وعصابة التوحيد أعلام الهدى الكاشفين عوار كل مشبه *** والقامعين لك من قد ألحدا زن قولهم بالوحي وانظر هل ترى *** ميلا لهم عما إليه أرشدا حاشاهم عن أن يميلوا خطوة *** عما اليه الله إياهم هدى بل أثبتوا لله ما قد أثبتت *** آي الكتاب وكل نص أسندا ومن النفاة تبرأوا وكذاك من *** قول الممثل إذ تغالى واعتدى جعلوا إمامهم الكتاب وسنة المختار *** يا طوبى لمن بهما اهتدى ولذاك أعلى الله جل منارهم *** والملحدون بناءهم قد هددا وأتم نورهم الإله وغيرهم *** في ظلمة إذ لم يكن بهم اقتدى يا رب ألحقنا بهم واجعل لنا *** نورا نميز به الضلال من الهدى وقضى السلف الصالح رحمهم الله تعالى على الطائفة الواقفة، وهم القائلون: لا نقول القرآن مخلوق ولا غير مخلوق، بأن من كان منهم يحسن الكلام، فهو جهمي، ومن لم يحسن الكلام منهم، بل علم أنه كان جاهلا جهلا بسيطا، فهو تقام عليه الحجة بالبيان والبرهان، فإن تاب وآمن أنه كلام الله تعالى وإلا فهو شر من الجهمية، وسيأتي إن شاء الله الكلام على اللفظية قريبا، وسنذكر إن شاء الله تعالى في آخر الفصل سائر الفرق المخالفين للسنة في القرآن وغيره من الصفات؛ لأنا أحببنا تجريد مذهب أهل السنة على حدته لقصد التيسير، وبالله التوفيق. (ولا بمفترى) أي وليس القرآن بمفترى، كما قاله كفار قريش وغيرهم من أعداء الله تعالى حيث قالوا فيه: (إن هذا إلا سحر يؤثر)، (المدثر: 24)، وقالوا: (إن هذا إلا إفك افتراه)، (الفرقان: 4)، (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها)، (الفرقان: 5)، (ويقولون إنما يعلمه بشر) (النحل: 103)، وقالوا شعر، وقالوا كهانة، وقالوا: (إن هذا إلا اختلاق)، (ص: 7)، وقالوا: (لو نشاء لقلنا مثل هذا)، (الأنفال 31)، وغير ذلك من مفترياتهم وإفكهم، وكل ذلك إنما قالوه عنادا ومكابرة، (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) (النمل 14)، وقد كشف الله تعالى شبههم، وأدحض حججهم، وبهتهم وقطعهم، وفضحهم على رءوس الأشهاد، وبين عجزهم، وكشف عوارهم في جميع ما انتحلوا، فقال تعالى لمن قال: (إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر)، قال الله تعالى: (سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر)... إلى آخر الآيات. وقال تعالى: (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون)، فرد الله ذلك عليهم بقوله: (فقد جاءوا ظلما وزورا)، (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا)، فرد الله ذلك عليهم بقوله تعالى: (قل أنزله الله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما)، وقال تعالى: (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر)، فرد الله ذلك عليهم بقوله عز وجل: (بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمؤمنين ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر). قال المفسرون: إن المشركين يشيرون بهذا إلى رجل أعجمي، كان بين ظهرهم + غلاما لبعض بطون قريش، قيل اسمه بلعام، وقيل يعيش، وقيل عائش، وقيل جبر، وقيل يسار، وقيل غير ذلك، وربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، فرد الله عز وجل عليهم ذلك الافتراء بقوله تعالى: (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين)، (النحل 103) أي فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على بني إسرائيل، كيف يتعلم من رجل أعجمي؟ لا يقول هذا من له أدنى مسكة من عقل، وقال في رد قولهم شعر وكهانة: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين)، (يس 69- 70)، وقال تعالى: (فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون)، (الطور 29- 33) الآيات، وقال تعالى: (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين) (الحاقة 41- 48) إلى آخر الآيات، وقال تعالى لمن قال: (إن هذا إلا اختلاق أؤنزل عليه الذكر من بيننا) (ص 7- 8)، فرد الله تعالى ذلك عليهم بقوله عز وجل: (بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) (ص 8-9) إلى آخر الآيات، ورد عليهم تعالى في قولهم: (لو نشاء لقلنا مثل هذا) بقوله: عز وجل: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (الإسراء 88)، وقد تحداهم تعالى على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله، فعجزوا عن ذلك كله، وبان كذبهم، قال الله عز وجل: (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين)، (الطور 33)، وقال تعالى وتقدس: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون)، (هود 13- 14)، وقال تعالى: (وإن كنتم في شك مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين)، (البقرة 23- 24)، فعجزوا عن ذلك كله، ولم يطمعوا في شيء منه مع أنهم فحول اللغة، وفرسان الفصاحة، وأهل البلاغة، وأعلم الناس بنثر الكلام ونظمه، وهجزه ورجزه، مع شدة معاندتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وحرصهم على معارضته بكل ممكن، ولكن جاءهم ما لا قبل لهم به، وأتاهم مالا يطيقون، كلام ذي الملكوت والجبروت والعظمة والكبرياء والعزة والجلال والكمال رب الأرض والسماء ورب الآخرة والأولى، من له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والمثل الأعلى الذي لا سمي له، ولا كفو له، وليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فلما رأوا وجوه إيجازه وإعجازه، ومبانيه الكاملة، ومعانيه الشاملة، وإخباره عن الأمم الماضية، والغيوب المستقبلة، والأحكام الواقعة، ونبأ الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب والتهديد، وغير ذلك على أكمل وجه، وأوضح بيان، وأعلى قصص، وأعظم برهان، علموا أنه ليس كلام المخلوقين، ولا يشبه كلام المخلوقين، وعلموا أنه الحق، وإنما رموه بالإفك والبهتان بقولهم كاهن شاعر مجنون وغير ذلك، إنما هو مكابرة وعناد مع الاعتراف بذلك فيما بينهم كما تقدم عن الوليد وعتبة وأبي جهل، قبحهم الله وغيرهم. ولو كان تقوله كما زعموا هم، لاستطاعوا معارضته ولم ينقطعوا عن مقاومته؛ لأنهم عرب فصحاء مثله، عارفون بوجوه البلاغة كلها، لا يجهلون منها شيئا، ولما عدلوا إلى المكابرة والتبجح بالقول دون الفعل الذي هو أمقت شيء عند العقلاء، ولكنه كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب محمد خاتم المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، هدى وبشرى للمسلمين، وتبيانا لكل شيء، وتفصيل كل شيء، وذكرى للمؤمنين (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)، (فصلت 42)، فلا يأتي مبطل بشبهة إلا وفيه إزهاق باطله، وكشف شبهته، وإدحاض حجته، كما هو معلوم عند من عرف مواقع النزول، ويكفيك في ذلك قول الله عز وجل: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا)، (الفرقان 33). يحفظ بالقلب وباللسان *** يتلى كما يسمع بالآذان كذا بالأبصار إليه ينظر *** وبالأيادي خطه يسطر وكل ذي مخلوقة حقيقة *** دون كلام بارئ الخليقة جلت صفات ربنا الرحمن *** عن وصفها بالخلق والحدثان فالصوت والألحان صوت القاري *** لكنما المتلو قول الباري ما قاله لا يقبل التبديلا *** كلا ولا أصدق منه قيلا. (يحفظ) بالبناء للمفعول أي القرآن (بالقلب) كما قال تبارك وتعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)، (الشعراء 193)، وقال تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون)، (العنكبوت 49)، وقال: (سنقرئك فلا تنسى) (الأعلى 6). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخراب. قال الترمذي: هذا حديث صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وهم ذوو عدد، فاستقرأ فاستقرأ كل رجل منهم- يعني ما معه من القرآن- فأتى على رجل من أحدثهم سنا، فقال: ما معك يا فلان؟ فقال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة. فقال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم. قال: اذهب، فأنت أميرهم. فقال رجل من أشرافهم: والله ما منعني أن أتعلم البقرة إلا خشية أن لا أقوم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا القرآن واقرءوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكا، يفوح ريحه في كل مكان. ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه، كمثل جراب أوكي على مسك. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وفي حديث سهل بن سعد رضي الله عنه المتفق عليه في قصة الواهبة نفسها، وفيه قال: ما معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا عددها، فقال: تقرأهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم. قال: اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن. ولأبي داود قال: سورة البقرة والتي تليها، قال: قم، فعلمها عشرين آية. وفي الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار، كمثل رجل له إبل، فإن عقلها حفظها، وإن أطلق عقالها ذهبت، فكذلك صاحب القرآن. ولهما، عن عائشة رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله رجلا يقرأ في سورة بالليل، فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا. والأحاديث في هذا كثيرة جدا. (وباللسان يتلى)، قال الله تبارك وتعالى: (اتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته)، (الكهف 37)، وقال تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث)، (الاسراء 106)، وقال تعالى: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا)، (الإسراء 45)، وقال تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم)، (فاطر 29) إلى آخر الآية، وقال تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه)، (القيامة 16- 19)، وقال تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا)، (المزمل: 4)، وقال تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا)، (الإسراء: 110)، وغير ذلك من الآيات. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل والنهار، فسمعه جار له... إلى آخر الحديث. رواه البخاري، وأخرج أبو عبيد القاسم بن سلام، عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته. ورواه ابن ماجه، وله عن المهاجر بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه، وتقنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون. والأحاديث في هذا كثيرة جدا، سيأتي ما تيسر منها في ذكر الصوت. (كما يسمع بالآذان) قال الله تبارك وتعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)، (التوبة 6)، وقال تبارك وتعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق)، (المائدة 83)، وقال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)، (الأعراف 204)، وقال تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، (الأحقاف 29- 30) الآيات، وقال تعالى: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا)... إلى قوله تعالى: (وإنا لما سمعنا الهدى آمنا به)، (الجن 1- 12) الآيات، وقال تعالى: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)، (الزمر 18)، وغير ذلك من الآيات. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي القرآن. قلت: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. الحديث متفق عليه. وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا موسى، لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة. فقال: أما والله، لو أعلم أنك تسمع قراءتي، لحبرتها لك تحبيرا. رواه مسلم. ولأبي عبيد، عن عائشة رضي الله عنها- قالت: أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت، فقال: أين كنت؟ قلت: كنت أسمع قراءة رجل من أصحابك، لم أسمع مثل قراءته، وصوته من أحد، قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي، فقال: هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا. إسناده جيد، والآحاديث في هذا كثيرة. (كذا بالإبصار إليه متعلقان بـ (ينظر) أي إلى القرآن في المصحف، وهو من أفضل العبادات وأجلها. وروى أبو عبيد بإسناد فيه ضعف، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأه ظهرا، كفضل الفريضة على النافلة. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أديموا النظر في المصحف. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا دخل، نشر المصحف فقرأ فيه. وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا اجتمع إليه إخوانه، نشروا المصحف فقرأوا، وفسر لهم. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إذا رجع أحدكم من سوقه، فلينشر المصحف وليقرأ. وذهب كثير من السلف أن قراءة القرآن في المصحف أفضل من على ظهر قلب؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يومان لا ينظر في مصحفه، (وبالأيادي خطه يسطر) كما قال تعالى: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون)، (الواقعة 77- 79)، وقال تعالى: (رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة)، (البينة 2)، وقال تعالى: (كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة)، (عبس 11- 14)، وقد كتبه الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بأمره، وفي خلافة أبي بكر وعثمان، وإلى الآن يكتبه المسلمون، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين. وقال علي بن أبي طالب نحو ذلك، وقال أبو بكر رضي الله عنه معنى ذلك في محضر الصحابة لم يقل أحد خلافه، ولو لم يكن الذي في المصحف كلام الله، لم يحرم مسه على أحد، ولم يكن من شأنه أن (لا يمسه إلا المطهرون) بل ولا كان يحرم توسده، ولذا أجاز الزنادقة ذلك حيث لم يؤمنوا أن فيه كتاب الله، وهذا من أسفل دركات الكفر، قبحهم الله. (وكل ذي) المذكورات من القلب، وحافظته، وذاكرته، واللسان وحركته، والآذان وأسماعها، والأبصار ونظرها، والأيادي وكتابتها، وأدوات الكتابة من أوراق وأقلام ومداد، كلها (مخلوقة حقيقة) ليس في ذلك توقف، (دون) القرآن الذي هو (كلام) الله تعالى (بارئ الخليقة). قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى: يتوجه العبد لله تعالى بالقرآن خمسة أوجه، وهو فيها غير مخلوق: حفظ بقلب، وتلاوة بلسان، وسمع بأذن، ونظرة ببصر، وخط بيد. فالقلب مخلوق، والمحفوظ غير مخلوق، والتلاوة مخلوقة، والمتلو غير مخلوق، والسمع مخلوق، والمسموع غير مخلوق، والنظر مخلوق، والمنظور إليه غير مخلوق، والكتابة مخلوقة، والمكتوب غير مخلوق. انتهى. فأعمال العباد مخلوقة، والقرآن حيثما تصرف، وأين كتب، وحيث تلي، كلام الله تعالى غير مخلوق. جلت صفات ربنا الرحمن *** عن وصفها بالخلق والحدثان. فليس من صفات الله تعالى شيء مخلوق، تعالى الله عن ذلك، وتعالى عن أن تكون ذاته محلا للمخلوقات، بل هو الأول بأسمائه وصفاته قبل كل شيء، والآخر بأسمائه وصفاته بعد كل شيء، لم يسبق شيء من صفاته بالعدم، ولم يعقب بالفناء، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. (فالصوت) من جهوري وخفي، (والألحان) من حسن وغيره (صوت القاري، لكنما المتلو) المؤدى بذلك الصوت هو (قول الباري) جل وعلا. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي صلى الله عليه وسلم يتغنى بالقرآن. ولابن ماجه بإسناد جيد، عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن، من صاحب القينة إلى قينته. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا فإن لم تقدروا على البكاء، فتباكوا. رواه البغوي، ولأبي داود نحوه، وله عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن. وله وللنسائي، وابن ماجه بإسناد جيد، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زينوا القرآن بأصواتكم. وفي الصحيحين، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا، أو قراءة منه. الحديث. ولابن ماجه، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ، حسبتموه يخشى الله. ولأبي عبيد، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم، وقلوب الذين يعجبهم شأنهم. وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود. ففي جميع هذه الأحاديث التصريح بإضافة الصوت والألحان والتغني إلى العبد؛ لأنه عمله، والقرآن المؤدى بذلك الصوت هو كلام الله حقيقة، وكذلك المهارة بالقرآن، والتتعتع فيه هو فعل العبد وسعيه لما في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران. وهذا الفرق واضح، ولله الحمد. وعليه أهل السنة والحديث كأحمد بن حنبل، وأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وغيرهما- رحمهم الله تعالى، ولو كان الصوت هو نفس المتلو المؤدى به كما يقوله أهل الاتحاد، لكان كل من سمع القرآن من أي تال وبأي صوت كليم الرحمن، فلا مزية لموسى عليه السلام على غيره، اللهم لك الحمد، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. (مسألة): اشتهر عن السلف الصالح كأحمد بن حنبل، وهارون الفروي، وجماعة أئمة الحديث أن اللفظية جهمية، واللفظية هم من قال: لفظي بالقرآن مخلوق. قال أئمة السنة- رحمهم الله تعالى: ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع، يعنون غير بدعية الجهمية، وذلك لأن اللفظ يطلق على معنيين: أحدهما الملفوظ به، وهو القرآن، وهو كلام الله، ليس فعلا للعبد ولا مقدورا له، والثاني التلفظ، وهو فعل العبد وكسبه وسعيه، فإذا أطلق لفظ الخلق على المعنى الثاني، شمل الأول، وهو قول الجهمية، وإذا عكس الأمر بأن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، شمل المعنى الثاني، وهي بدعة أخرى من بدع الاتحادية. وهذا ظاهر عند كل عاقل، فإنك إذا سمعت رجلا يقرأ (قل هو الله أحد) تقول: هذا لفظ سورة الإخلاص، وتقول: هذا لفظ فلان بسورة الإخلاص، إذ اللفظ معنى مشترك بين التلفظ الذي هو فعل العبد، وبين الملفوظ به الذي هو كلام الله، عزوجل. وهذا بخلاف ما ذكر السلف بقولهم: الصوت صوت القاري، والكلام كلام الباري، فإن الصوت معنى خاص بفعل العبد، لا يتناول المتلو المؤدى بالصوت البتة، ولا يصلح أن تقول هذا صوت قل هو الله أحد، ولا يقول ذلك عاقل، وإنما تقول هذا صوت فلان، يقرأ قل هو الله أحد، ونحو ذلك. نعم، إذا سمع كلام الله عز وجل منه تعالى بدون واسطة، كسماع موسى عليه الصلاة والسلام، وسماع جبريل عليه السلام، وسماع أهل الجنة كلامه منه عز وجل فحينئذ التلاوة والمتلو صفة الباري عز وجل ليس منها شيء مخلوق. تعالى الله علوا كبيرا. (ما قاله لا يقبل التبديلا) قال الله تعالى: (ما يبدل القول لدي)، (ق 29)، وقال تعالى: (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته)، (الكهف 27)، وقال تعالى: (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)، (الأنعام 115)، وقال تعالى: (لا تبديل لكلمات الله)، (يونس 64). (كلا) أي لا يكون ذلك، (ولا أصدق منه) أي من الله تعالى (قيلا) أي قولا، وهو تمييز محول عن اسم لا، والتقدير لا قيل أصدق من قيله، قال الله تبارك وتعالى: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا)، (النساء 87)، وقال تعالى في الآية الأخرى: (ومن أصدق من الله قيلا)، (النساء 112) أي من أصدق من الله تعالى في حديثه وخبره، ووعده ووعيده؟ والجواب: لا أحد. وفي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم . الحديث. وقد روى الثقات عن خير الملا *** بأنه عز وجل وعلا في ثلث الليل الأخير ينزل *** يقول هل من تائب فيقبل هل من مسيء طالب للمغفرة *** يجد كريما قابلا للمعذرة يمن بالخيرات والفضائل *** ويستر العيب ويعطي السائل. أي، ومما يجب الإيمان به وإثباته، وإمراره كما جاء صفة النزول للرب عز وجل كما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة عن فضلاء الصحابة كأبي بكر الصديق، وعلى بن أبي طالب، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وجبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وعمرو بن عبسة، ورفاعة الجهني، وعثمان بن أبي العاص الثقفي، وأبي الدرداء، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وأبي الخطاب، وعمر بن عامر السلمي، وغيرهم رضي الله عنهم. فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينزل الله ليلة النصف من شعبان، فيغفر لكل نفس إلا إنسان في قلبه شحناء أو شرك. رواه جماعة، عن ابن وهب. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتى، لأخرت العشاء الأخيرة إلى ثلث الليل، فإنه إذا مضى ثلث الليل، هبط الله عز وجل إلى سماء الدنيا لم يزل بها حتى يطلع الفجر، فيقول: ألا سائل يعطى، ألا داع فيجاب، ألا مذنب يستغفر فيغفر له، ألا سقيم يستشفي فيشفى. رواه الطبراني في السنة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. أخرجاه في الصحيحين. وفي رواية عن أبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهما: أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يمهل، حتى إذا كان ثلث الليل، هبط إلى السماء الدنيا، فنادى: هل من مذنب يتوب؟ هل من مستغفر؟ هل من سائل؟ وفي مسند أحمد رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل الله كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في النزول قد تعددت طرقه في الصحيحين وسائر الأمهات، وقد ساقه إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد من أكثر من ثلاثين طريقا، عن أبي هريرة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا، وله في كل سماء كرسي، فإذا نزل إلى سماء الدنيا، جلس على كرسيه، ثم مد ساعديه فيقول: من ذا الذي يقرض غير عديم ولا ظلوم، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يتوب فأتوب عليه، فإذا كان عند الصبح، ارتفع فجلس على كرسيه. رواه ابن منده، قال: وله أصل مرسل. وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة، فيقول جل جلاله: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حديث صحيح، رواه النسائي، وأبو الوليد الطيالسي. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا لثلث الليل، فيقول: ألا عبد من عبيدي يدعوني فأستجيب له؟ أو ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له؟ ألا مقتر عليه رزقه؟ ألا مظلوم يستنصرني فأنصره؟ ألا عان يدعوني فأفك عنه؟ فيكون ذلك مكانه حتى يفيء الفجر، ثم يعلو ربنا عز وجل إلى السماء العليا على كرسيه. رواه الدار قطني. وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى إذا كان ثلث الليل الآخر، نزل إلى سماء الدنيا، ثم بسط يده فقال: من يسألني فأعطيه؟ حتى يطلع الفجر. حديث حسن، رواه أحمد في مسنده، ورجاله أئمة. ورواه أبو معاوية بلفظ: إن الله تعالى يفتح أبواب السماء، ثم يهبط إلى السماء الدنيا، ثم يبسط يده فيقول: ألا عبد يسألني فأعطيه؟ حتى يطلع الفجر. وعن رفاعة الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مضى نصف الليل أو ثلث الليل، نزل الله إلى سماء الدنيا، فقال: لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ حتى ينفجر الفجر. حديث صحيح، رواه أحمد في مسنده. وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ وأن داود خرج ذات ليلة، فقال: لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه، إلا أن يكون ساحرا أو عشارا. رواه الإمام أحمد بنحوه، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل الله تبارك وتعالى في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل، ينظر في الساعة الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينظر في الساعة الثانية في جنة عدن، وهي مسكنه الذي يسكن، لا يكون معه فيها إلا الأنبياء والشهداء والصديقون، وفيها ما لم ير أحد، ولم يخطر على قلب بشر، ثم يهبط في آخر ساعة من الليل يقول: ألا مستغفر فأغفر له؟ ألا سائل فأعطيه؟ ألا داع فأستجيب له؟ رواه عثمان بن سعيد الدارمي. وروى موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى بن الوليد، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: ألا عبد يدعوني فأستجيب له؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأقبله؟ فيكون كذلك إلى مطلع الصبح، ويعلو على كرسيه. وعن أبي الخطاب رضي الله عنه أنه قال، وقد سئل عن الوتر: أحب أوتر نصف الليل، فإن الله يهبط من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مذنب؟ هل من مستغفر؟ هل من داع؟ حتى إذا طلع الفجر ارتفع. رواه محمد بن سعد في طبقاته. وعن عمرو بن عامر السلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ذهب ثلث الليل، أو قال نصف الليل، ينزل الله إلى سماء الدنيا فيقول: هل من عان فأفكه؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ رواه ابن منده. وعن عبيد بن السباق أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا من آخر الليل، فينادي مناد في السماء العليا: ألا نزل الخالق العليم، فيخرج أهل السماء وينادي فيهم مناد بذلك، فلا يمر بأهل السماء إلا وهم سجود. رواه أبو داود. وروى أبو اليمان، ويحيى بن كثير، وعبد الصمد بن النعمان، ويزيد بن هارون، وهذا سياق حديثه، أخبرنا حريز بن عثمان، حدثنا سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله جعلني الله فداك، شيء تعلمه وأجهله، ينفعني ولا يضرك، ما ساعة أقرب من ساعة، وما ساعة تبقى فيها؟ يعني الصلاة، فقال: يا عمرو بن عبسة، لقد سألتني عن شيء، ما سألني عنه أحد قبلك. إن الرب تعالى يتدلى من جوف الليل فيغفر، إلا ما كان من الشرك والبغي، والصلاة مشهودة حتى تطلع الشمس، فإنها تطلع على قرن الشيطان، وهي صلاة الكفار، فأقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس، فإذا استعلت الشمس، فالصلاة مشهودة حتى يعتدل النهار، فإذا اعتدل النهار، فأخر الصلاة، فإنها حينئذ تسجر جهنم، فإذا فاء الفيء، فالصلاة مشهودة حتى تدلى للغروب، فإنها تغيب بين قرني الشيطان، فأقصر عن الصلاة حتى تجب الشمس. وهو في مسلم مطولا. قلت: وهذا في معنى قوله تبارك وتعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)، (الإسراء 77- 78)، وفي كتاب السنة للخلال، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا ثلث الليل الأوسط، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ويترك أهل الحقد لحقدهم. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله عز وجل ينزل في ثلاث ساعات بقين من الليل، يفتح الذكر من الساعة الأولى، لم يره أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت ما شاء، ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن التي لم ترها عين، ولم تخطر على قلب بشر، ولا يسكنها من بني آدم غير ثلاثة: النبيين، والصديقين، والشهداء، ثم يقول: طوبى لمن دخلك، ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى سماء الدنيا بروحه وملائكته، فينتفض فيقول: قيومي بعزتي، ثم يطلع إلى عباده فيقول: هل من مستغفر أغفر له؟ هل من داع أجيبه؟ حتى تكون صلاة الفجر. وكذلكم يقول: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)، فيشهده الله وملائكة الليل والنهار. رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد، وقد تقدم قريبا بغير هذا اللفظ. وله عن القاسم بن محمد، عن أبيه أو عمه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ينزل الله تعالى ليلة النصف، فيغفر للمؤمنين. الحديث. رواه ابن زنجويه. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان ليلة النصف من شعبان، هبط الله تعالى إلى سماء الدنيا، فيغفر لأهل الأرض إلا كافر أو مشاحن. رواه محمد بن الفضل البخاري. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في النصف من شعبان، فيغفر لأهل الأرض إلا لكافر أو مشاحن. قلت: ولا منافاة بين أحاديث تخصيص النزول بليلة النصف من شعبان، وبين الأحاديث القاضية أنه كل ليلة، فإن النزول في ليلة النصف من شعبان مطلق، والنزول في كل ليلة مقيد بالنصف في لفظ، وبالثلث في آخر، على أنه ليس في تخصيص النزول بنصف شعبان نفي له فيما عداها، والأحاديث التي فيها النزول كل ليلة أكثر وأشهر، وأصح بلا شك ولا مرية. وقد ثبت النزول أيضا في عشية عرفة كما روى ابن أبي حاتم من حديث أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان عرفة، فإن الله ينزل إلى سماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا، أشهدكم أني قد غفرت لهم. ورواه الخلال في السنة من حديث أبي النضر، عن أيوب، عن أبي الزبير، عنه يرفعه: أفضل أيام الدنيا أيام العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: إلا من عفر وجهه في التراب، إن عشية عرفة ينزل الله إلى سماء الدنيا، فيقول للملائكة: انظروا إلى عبادي هؤلاء شعثا غبرا، جاءوا من كل فج عميق ضاحين، يسألوني رحمتي، فلا يرى يوما أكثر عتيقا ولا عتيقة. وروى خلاد بن يحيى، حدثنا عبد الوهاب، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجلان: أحدهما أنصاري، والآخر ثقفي، فذكر الحديث. وفيه: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول للملائكة: هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم. رواه طلحة بن مصرف، عن مجاهد به. وقد روي النزول في رمضان، وليس هو نافيا له في غيره، فروى علي بن معبد، عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن طارق، عن سعيد بن جبير سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إن الله تبارك وتعالى ينزل في شهر رمضان، إذا ذهب الثلث الأول من الليل، هبط إلى السماء الدنيا، ثم قال: هل من سائل يعطى؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من تائب يتاب عليه؟ وروى عبيد الله بن موسى: قال ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)، (إبراهيم 27) قال: ينزل الله إلى السماء الدنيا في شهر رمضان، يدبر أمر السنة، فيمحو ما يشاء غير الشقاوة والسعادة والموت والحياة. وإسناده حسن، وهذا الموقوف له حكم المرفوع عند المحدثين؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي، وقد ثبت النزول لفصل القضاء وللتجلي لأهل الجنة، كما ستأتي الأحاديث إن شاء الله تعالى في ذلك. ونحن نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب- جل وعلا- من غير أن نصف الكيفية؛ لأن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يصف كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله- جل وعلا- لم يترك ولا نبيه صلى الله عليه وسلم بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، كما يشاء ربنا، وعلى ما يليق بجلاله وعظمته عز وجل غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النزول، فنسير بسير النصوص حيث سارت، ونقف معها حيث وقفت، لا نعدوها إن شاء الله تعالى ولا نقصر عنها، وقد تكلفت جماعة من مثبتي المتكلمين، فخاضوا في معنى ذلك، وفي ذلك الانتقال وعدمه، وفي خلو العرش منه وعدمه نفيا وإثباتا، وذلك تكلف منهم، ودخول فيما لا يعنيهم، وهو ضرب من التكييف، لم يأت في لفظ النصوص، ولم يسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من ذلك حين حدثهم بالنزول، فنحن نؤمن بذلك نصدق به كما آمنوا وصدقوا، فإن قال لنا متعنت أو متنطع: يلزم من إثبات كذا كيت وكيت في أي شيء من صفات الله، قلنا له: أنت لا تلزمنا نحن فيما تدعيه، وإنما تلزم قائل ذلك، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن كان ذلك لازما لما قاله حقيقة، وجب الإيمان به، إذ لازم الحق حق، وإن لم يك ذلك لازما له، فأنت معترض على النبي صلى الله عليه وسلم ، كاذب عليه متقدم بين يديه. وروى البيهقي، عن الحاكم، عن محمد بن صالح بن هانئ، سمع أحمد بن سلمة، سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع- يعني: إبراهيم بن أبي صالح- مجلس الأمير عبد الله بن طاهر، فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها، فقال ابن أبي صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء. فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء. وقال إسحاق- رحمه الله تعالى: دخلت على ابن طاهر، فقال: ما هذه الأحاديث، يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت: نعم، رواها الثقات الذين يروون الأحكام. فقال: ينزل، ويدع عرشه؟ فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم. فقلت: فلم تتكلم في هذا؟ وقال إسحاق أيضا: قال لي ابن طاهر: يا أبا يعقوب، هذا الذي تروونه، ينزل ربنا كل ليلة كيف ينزل؟ قلت: أعز الله الأمير، لا كيف، إنما ينزل بلا كيف. وقال أحمد بن سعيد الرباطي: حضرت مجلس ابن طاهر، وحضر إسحاق فسئل عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال: نعم. فقال له بعض القواد: كيف ينزل؟ فقال: أثبته فوق حتى أصف لك النزول؟ فقال الرجل: أثبته فوق؟ فقال إسحاق: قال الله تعالى: (وجاء ربك والملك صفا صفا)، (الفجر 22) فقال ابن طاهر: هذا يا أبا يعقوب يوم القيامة. فقال: ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟ ا هـ من كتاب العلو. وهذا الذي قاله إسحاق رحمه الله تعالى هو الذي عليه عامة أهل السنة والجماعة، كما قدمنا عنهم في جميع نصوص الصفات، وأن مذهبهم إمرارها كما جاءت، والإيمان بها بلا كيف. وأنه يجيء يوم الفصل *** كما يشاء للقضاء العدل. قال الله تبارك وتعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور)، (البقرة 90)، وقال تبارك وتعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك)، (الأنعام 158)، وقال تعالى: (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا)، (الفرقان 25)، وقال تعالى: (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا)، (الفجر 21- 22)، وقال تعالى: (وأشرقت الأرض بنور ربها) (الزمر 69). وفي حديث الصور المشهور الذي ساقه غير واحد من أصحاب المسانيد، وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: إن الناس إذا اهتموا لموقفهم في العرصات، تشفعوا إلى ربهم بالأنبياء واحدا واحدا، من آدم فمن بعده، فكلهم يحيد عنها حتى ينتهوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإذا جاءوا إليه، قال: أنا لها أنا لها، فيذهب فيسجد لله تعالى تحت العرش، ويشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد، فيشفعه الله ويأتي في ظلل من الغمام بعدما تنشق السماء الدنيا، وينزل من فيها من الملائكة، ثم الثانية ثم الثالثة إلى السابعة، وينزل حملة العرش والكروبيون، قال: وينزل الجبار عز وجل في ظلل من الغمام ولهم زجل من تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبوح قدوس سبحان ربنا الأعلى، سبحان ذي السلطة والعظمة، سبحانه سبحانه أبدا أبدا. وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينتظرون فصل القضاء، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي. رواه ابن منده، وقال الذهبي: إسناده حسن. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة، نزل الرب إلى العباد. رواه مسلم. وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يهبط الرب تعالى من السماء السابعة إلى المقام الذي هو قائمه، ثم يخرج عنق من النار فيظل الخلائق كلهم، فيقول: أمرت بكل جبار عنيد، ومن زعم أنه عزيز كريم، ومن دعا مع الله إلها آخر. رواه أبو أحمد العسال في كتاب السنة. وفي الصحيحين من حديث الشفاعة عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها شافعوها، أو منافقوها، شك إبراهيم- يعني: ابن سعد الراوي، عن ابن شهاب- فيأتيهم الله تعالى فيقول: أنا ربكم. فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب الصراط بين ظهري جهنم. وذكر الحديث بطوله. ولهما نحوه من حديث أبي سعيد، وفيه: حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم، ونحن أحوج منا إليهم اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء. فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا. وذكر الحديث، والأحاديث في هذا كثيرة. قال الذهبي- رحمه الله تعالى: أحاديث نزول الباري متواترة، قد سقت طرقها، وتكلمت عليها بما أسأل عنه يوم القيامة.
|